في آخر صفحات كتابه يقول مايكل مورجان‏:‏ بحلول القرن الـ‏21‏ صارت بعض مراكز الابتكار الإسلامية القديمة جزءا من العالم النامي‏,‏ بكل مشاكله الناشئة‏,‏ مثل الفقر والجمود الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي‏,‏ فقد ضاع تاريخهم الثري وفيما يبدو صار مجرد أطلال‏.
‏التاريخ الضائع للمسلمين‏,
‏ هذا ما يبحث عنه مايكل مورجان في هذا الكتاب الذي يتناول التراث الخالد لعلماء الإسلام ومفكريه وفنانيه‏,‏ وهو يعلم أن اللحظة الراهنة التي يعيشها العالم الإسلامي تعود إلي أسباب كثيرة‏,‏ منها أن الأثر الذي خلفته الأمواج المتتالية من الغزوات الآسيوية بقيادة السلاجقة والمغول والعثمانيين علي قلب الأراضي الإسلامية هو الدمار التدريجي لمراكز الابتكار الإسلامي‏,‏ في الوقت الذي كانت فيه أوروبا بمنأي عن ذلك‏,‏ ما سمح لهم باستكمال تطورهم‏..‏وعندما بدأت أوروبا‏,‏ في القرن الـ‏17,‏ تستعمر الأمريكتين تلقت أنهارا من ثروات ما وراء البحار‏,‏ الأمر الذي مكنهم أيضا من القيام بغزواتهم الاستعمارية في العالم الإسلامي‏..‏وكما يقول مورجان فإن الإمبريالية الأوروبية وجهت الضربة القاضية للعالم الإسلامي في الشرق الأوسط وإيران وإفريقيا والهند وجنوب شرق آسيا‏,‏ وأدي الاستعمار بكثير من دول هذا العالم إلي كساد اقتصادي استغرق قرونا حتي تم التخلص منه‏,‏ وبما أن كلا من العلوم والتطوير يعتمدان علي مساندة قيام الدولة وتمويلها‏,‏ فقد انحدر مستوي العلوم الإسلامية عندما توجب علي دولها تحويل مواردها إلي الدفاع العسكري بعد القرن الـ‏16,‏ ومن ثم أصبح بزوغ شمس أوروبا وغروب شمس العالم الإسلامي وجهين لعملة واحدة‏.‏وإذا كان مورجان يقف علي نهاية اللحظة التي غرق فيها العالم الإسلامي‏,‏ فإن كتابه يكشف كيف أن الإنجازات التي حققها المسلمون في العلوم والثقافة وضعت حجر الزاوية لعصري النهضة والتنوير في أوروبا‏,‏ كما يعرض الكتاب سردا زمنيا للعصور الذهبية للحضارة الإسلامية‏,‏ بدءا من سنة‏570‏ ميلادية‏,‏ أي مع ميلاد النبي محمد صلي الله عليه وسلم‏,‏ مع بيان صدي ذلك في العصر الحاضر‏..‏يعرض الكتاب أيضا لعلماء أمثال ابن الهيثم وابن سينا والخوارزمي وعمر الخيام‏,‏ وهي شخصيات رائدة أحدثت ثورة في علوم الرياضيات والفلك والطب في عصرها‏,‏ ومهدت الطريق أمام نيوتن وكوبرنيكس وآخرين‏,‏ كما ذكرنا المؤلف بأن عصور القادة المسلمين الذين ألهموا العالم‏,‏ وعلي رأسهم النبي محمد صلي الله عليه وسلم‏,‏ قد تجلت فيها مظاهر التسامح الديني‏,‏ كما ازدهر فيها البحث العلمي والفكري‏,‏ وبات هؤلاء القادة هم أنفسهم رعاة للفن والعمارة والأدب‏..‏علي هذا الأساس يأتي كتاب تاريخ ضائع ليسد الفجوة بين الحضارتين الإسلامية والغربية‏,‏ ويكون أساسا لكل من يسعي لفهم الأثر الذي أحدثه المسلمون الأوائل‏,‏ لكن كيف قطع مايكل مورجان الطريق إلي مثل هذه المعرفة؟‏!‏ هو يقول إنه بعد مرور أيام من وقوع أحداث‏11‏ سبتمبر في أمريكا‏,‏ طلبت إليه إحدي التنفيذيات الأمريكيات في مجال الأعمال أن يكتب لها خطبة‏,‏ وبسبب حالة الحزن العامة التي كانت تهيمن علي الأجواء السائدة في أمريكا‏,‏ لم يكن من اللائق تجاهل ذلك الحدث‏,‏ وبدلا من أن تنصب الخطبة علي أعمال هذه السيدة ومجال الصناعة الذي تعمل به‏,‏ رأي مورجان أنه ينبغي أن يبني جسرا لعبور هذه الهوة المخيفة التي تفصل ما بين المسلمين وغير المسلمين‏,‏ وذلك من خلال إعادة إحياء ذكري العظمة التي ألقي بذورها العالم الإسلامي والمعاني العميقة التي خلفها‏.‏يقول مورجان‏:‏ بدلا من التركيز علي الواقع المظلم الرابض علي جنبات المكان‏,‏ قررت أن أجعلها تتحدث عن التاريخ المذهل لهذا العالم الإسلامي‏,‏ الذي اكتشفته من خلال قراءات وأبحاث‏,‏ فقد كان تاريخا يزخر بالاختراع والإبداع والأفكار العظيمة‏,‏ ويفرز قيم التسامح والتعايش‏,‏ تاريخا عاش فيه المسيحيون واليهود والهندوس والبوذيون معا يعملون ويزدهرون‏,‏ إن الحضارة الإسلامية ألقت ببذور عصر النهضة الأوروبي وأسهمت في ظهور الكثير من جوانب الحضارة الغربية والعالمية الحديثة‏,‏ لكن هذا التاريخ أصبح مع بداية القرن الـ‏21‏ نسيا منسيا‏,‏ وتم تجاهله وأسيء فهمه‏,‏ بل وأعيدت كتابته‏..‏وخلافا للمؤلفات التاريخية‏,‏ التي تميل إلي التركيز علي المفكرين والمخترعين فيما يسمي بالعصر الذهبي للعرب‏,‏ والذي يشمل أيضا بلاد فارس وأسبانيا في الفترة من عام‏632‏ إلي‏1258‏ ميلادية‏,‏ انتهاء بسقوط بغداد‏,‏ فإن هذا الكتاب يركز علي العديد من العصور الذهبية للفكر الإسلامي‏,‏ بما في ذلك آسيا الوسطي وتركيا العثمانية والهند المغولية حتي القرن الثامن عشر‏..‏ويعترف مورجان بأنه لم يكن بمقدور كتابه أن يلم بالتفاصيل الهائلة والفوارق المعقدة لحضارة عمرها أكثر من‏1400‏ سنة تتجسد الآن في كيان يتكون من مليار مسلم‏,‏ ولم يكن بمقدور تاريخ ضائع أن يعين كل اسم عظيم أديله وكل حدث تاريخي برز في تطور هذا الكيان المعروف باسم العالم الإسلامي‏,‏ وفي كل الأحوال يقصد مورجان توضيح الخطوط المبهمة في تاريخ المسلمين‏,‏ والتمسك بالحقائق الراسخة مع إعادة أهم الشخصيات والأحداث إلي الحياة واستحضار الماضي الإسلامي المغمور والغامض والبعيد‏..‏لا يكتفي مورجان بعملية إعادة بعض الماضي الإسلامي‏,‏ فهو يراوح بين اللحظة الراهنة‏,‏ واللحظة الماضية‏,‏ ففي فصل عنوانه المخترعون والعلماء يستهله المؤلف بالحديث عن مدينة الدوحة في العام‏2007,‏ وعن حديقة العلوم والتكنولوجيا‏,‏ التي من المتوقع أن تسهم في إيقاف نزيف العقول المهاجرة‏,‏ ومن خلال اسم المهندس جون هاسدا القائم علي هذا المشروع‏,‏ يعود المؤلف للبحث في جذور هذا الاسم الذي ينتمي إلي أصول من اليهود الشرقيين في أسبانيا‏,‏ وبهذا يذهب مورجان إلي مدينة قرطبة في عام‏852‏ ميلادية ليسرد التاريخ العربي في الأندلس‏..‏تاريخ ضائع حافل بالكثير من الأفكار والمعلومات التي تخفي علي المسلمين أنفسهم‏,‏ وقد كان المؤلف حريصا علي ألا يتحدث عن الدين أو العقيدة‏,‏ فغرضه الأساسي تناول حضارة كان للإسلام فيها دور رائد‏,‏ وقد أدخل الخيال في الأجزاء المتعلقة بالحاضر في مقدمة كل فصل‏,‏ وكذلك المشاهد المتعلقة بالأجزاء التاريخية‏,‏ لاسيما عند تقديم حوار أو مناجاة‏*‏



























0 التعليقات: