الناصر صلاح الدين الأيوبي قائد عربي مسلم ومؤسس الدولة الأيوبية، خاض العديد من المعارك والتي ظهرت من خلالها إمكانياته كفارس شجاع وقائد عسكري حكيم يتمتع بقدر وافر من الذكاء والحنكة السياسية والحربية، وتعد معركة حطين التي وقعت عام 583هـ -1187م من أشهر المعارك التي خاضها والتي ارتبط اسمها دائماً باسمه وذكرتها كتب التاريخ كثيراً، والتي تمكن فيها من هزيمة أقوى الجيوش الصليبية محرزاً العديد من الانتصارات.
لم يتميز صلاح الدين فقط بكونه قائد عسكري عظيم بل تميز أيضاً بأخلاق رفيعة وشهامة منقطعة النظير فكانت له العديد من المواقف الإنسانية الرائعة سواء مع أفراد جيشه أو مع شعبه أو حتى مع الأسرى حيث تجلى كرم أخلاقه مع الجميع، هذا بالإضافة لعلمه الواسع وشغفه بالمطالعة وتشجيعه للعلم.
النشأة
اسمه كاملاً يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان, أبو المظفر, الملقب بالناصر صلاح الدين الأيوبي، ولد صلاح الدين لعائلة كردية في عام 532هـ، في تكريت بالقرب من بغداد، كان والده محافظاً لقلعة تكريت من قبل بهروز، وكان عمه أسد الدين شيركوه أحد القادة العظام في جيش نور الدين زنكي حاكم الموصل.
شهدت مدينة بعلبك نشأة صلاح الدين فترعرع بها وتلقى علومه المختلفة فدرس القرآن وسمع الحديث من الحافظ السلفي وابن عوف وقطب الدين النيسابوري، كما تعلم الصيد وفنون القتال وغيرها من المهارات والعلوم.
الحياة العسكرية لصلاح الدين
بدأت الحياة العسكرية تشق طريقها إلى صلاح الدين عندما ذهب مع عمه شيركوه بأمر من نور الدين زنكي لصد الهجمات الصليبية وتحقيق المساندة والدعم للخليفة الفاطمي في مصر، حيث كانت الحملات الصليبية تتوالي حينذاك، فحققا العديد من الإنجازات في صد هذه الهجمات، الأمر الذي دفع بالخليفة الفاطمي إلي تعيين شيركوه وزيراً له، وفي مصر قام صلاح الدين بالاختلاط بالمصريين وتقرب منهم وأحبه الشعب المصري أيضاً لما لمسوه فيه من سمات البطولة والعدل والحكمة مما أهله بعد ذلك لأن يحل محل عمه بعد وفاته فتم إسناد الوزارة إليه، وذلك بتأييد من المصريين وأيضاً لخبرته الواسعة سواء على المستوى الحربي أو الإنساني.
حاكماً لمصر
عندما مات الخليفة الفاطمي قام صلاح الدين بإعلان انتهاء الحكم الفاطمي ونصب نفسه حاكماً على مصر ونزل إلى قصر الخلافة جامعاً الأتباع والقواد فتعلق به الشعب المصري، وعندما علم نور الدين بنية صلاح الدين بالاستقلال بمصر قرر أن يسير إليه بجيش كبير ليسترجعها منه ولكنه مات في عام 569هـ قبل أن يحقق ما سعى إليه وبموته زالت إحدى العقبات الكبيرة من طريق صلاح الدين.
وبعد وفاة نور الدين محمود تطلع صلاح الدين من أجل ضم الشام إلى حكمه فسار إلى دمشق وتمكن من إخماد الثورات التي قامت في الشام بسبب الطمع بملك نور الدين، ومكث بها قرابة العامين من أجل أن يعيد الحكم إلى حالة من الاستقرار فضم إليه دمشق وحمص وحماة وبعلبك وغيرها ثم أعلن عن استقلاله عن بيت نور الدين محمود وتبعيته للخلافة العباسية التي منحته لقب سلطان، وأصبح حاكما على مصر، عاود حملته على الشام عام 578هـ ، ونجح في ضم حلب وبعض المدن الشامية، وقد استغرقت هذه الفتوحات أكثر من عشر سنوات وبعد استقرار الأحوال في الشام وفلسطين عاد مرة أخرى إلى مصر.
أتجه صلاح الدين بعد استقرار الأمور الخارجية نحو الإصلاح الداخلي في مصر فعمل على إنشاء جيش قوي حقق به العديد من الإنجازات، مما عمل على تثبيت أقدامه في مصر، كما سعى من أجل نشر العلم فيها وتقوية المذهب السني بها فقام بإنشاء المدارس التي تدرس الفقه السني مثل المدرسة الناصرية والمدرسة الكاملية، كما عمل على عذل القضاة الشيعيين وإحلال قضاة من السنة محلهم، ومن الخطوات الشجاعة التي قام بها أنه أعلن في الجمعة الأولى من شهر المحرم عام 567هـ قطع الخطبة للخليفة الفاطمي الذي كان مريضًا وجعلها للخليفة العباسي، فكان ذلك إيذاناً بانتهاء الدولة الفاطمية، وبداية عصر جديد، تمكن خلاله من القضاء على الفتن والمؤامرات التي اشتعلت لإعادة الحكم الفاطمي.
توسعت سلطة صلاح الدين في البلاد فامتدت من النوبة جنوباً وبرقة غرباً إلى بلاد الأرمن شمالاً وبلاد الجزيرة والموصل شرقاً.
بعد استقرار الأمور الداخلية التفت صلاح الدين إلى الحروب الصليبية وبدأ يسعى في تحضير جيش قوي من أجل القضاء عليها.
معاركه مع الصليبيين
سعى صلاح الدين بعد أن تأكد من قوة جبهته الداخلية وتماسكها من أجل تكوين جيش قوي يقوم من خلاله بالقضاء على الصليبيين في معركة حاسمة وذلك بدلاً من الغارات التي تشن من آن لآخر لإضعاف العدو، فقام بشن سلسلة من المعارك الناجحة على الصليبيين وسقطت العديد من المناطق في يده مثل قلعة طبرية، عكا، قيسارية، ونابلس، وأرسوف، ويافا وبيروت بالإضافة لبيت المقدس، وكانت معركة حطين واحدة من أنجح المعارك الحربية والتي وقعت في عام 583هـ حيث كللت رحلة الكفاح العسكرية لصلاح الدين بنجاح عظيم مازالت تتذكره كتب التاريخ.
استفز ملوك أوربا وأثار غضبهم انتصارات صلاح الدين وسيطرته على بيت المقدس فقرروا شن حملة عظيمة لاستعادة بيت المقدس من يد صلاح الدين والجيش الإسلامي وتجمع لذلك عدد من ملوك أوربا والذين أتى على رأسهم ملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد، بالإضافة إلى فيليب أوغسطس ملك فرنسا، وفريدريك بربروسا ملك ألمانيا، ولم تسفر هذه الحملة عن أي نجاح بالنسبة إلى ملوك أوربا حيث رجعوا إلى بلادهم يجرون أذيال الخيبة وتم عقد صلح الرملة بين الطرفين في عام 588هـ - 1192م .
أخلاق الفرسان
عرف صلاح الدين سواء في البلاد العربية أو الأوربية كمحارب شهم كريم الأخلاق أبي النفس، وعرف كمسلم مؤمن، وشخص متواضع، وكانت له العديد من المآثر الإنسانية التي تجلت فيها رقة قلبه ولم يكن قائداً مقاتلاً عنيداً قوي الشكيمة فقط بل كان مثقفاً يحب العلم ويشجع العلماء عمر المساجد وأصلح الري وبنى القلاع والأسوار في القاهرة ودمشق.
توفي صلاح الدين عام 1193 م بقلعة دمشق عن 57 عاما، توفى ولكن مازال التاريخ يتذكره كثيراً كواحد من أهم الشخصيات التاريخية التي كان لها بالغ الأثر في أحد العصور الإسلامية القديمة
0 التعليقات:
إرسال تعليق