Posted by:
محمد على عابدين
0
التعليقات
ظلت الأساطير تنسج حول الجبال لآلاف السنين، فكانت كل حضارة من الحضارات القديمة تنظر إلى أن هناك آلهة للجبال، وكانوا ينظرون إلى الجبال على أنها أكثر أجزاء الأرض ثباتاً، ولكن القرآن الكريم حدثنا عن حركة خفية للجبال لا نشعر بها.
سوف يكون بحثنا حول آية عظيمة وهي قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. إن الذي يقرأ هذه الآية يلاحظ أن الله تعالى قد ذكر أن الجبال تتحرك وتمرّ تماماً كالغيوم في السماء عندما تمر أمامنا، والسؤال: ماذا يقول العلم الحديث وما هي آخر الاكتشافات العلمية حول الجبال؟
كيف فهم المفسرون هذه الآية قديماً؟
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) أي تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) أي تزول عن أماكنها كما قال تعالى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) [الطور: 8-9]".
أي أن الإمام ابن كثير ومعظم المفسرين قديماً فهموا هذه الآية على أنها تتحدث عن حركة الجبال يوم القيامة. ولكن في العصر الحديث تناول هذه الآية الإمام محمد الشعراوي وقال (تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) أي تظنها ثابتة، ويوم القيامة لا يوجد ظن بل إن الظن في الدنيا أما يوم القيامة فكل ما نراه هو الحق، ولذلك هذه الآية تتحدث عن حركة الجبال في الدنيا.
ويتابع الشعراوي تفسيره فيقول: "إذا صعدنا إلى الفضاء الخارجي فإننا نرى الأرض وهي تدور وتتحرك وتتحرك معها الجبال أيضاً، وفي هذا إشارة إلى دوران الأرض حول نفسها".
ولكن إذا تأملنا الآية جيداً نلاحظ أنها تتحدث عن حركة الجبال تحديداً وليس عن حركة الأرض بشكل كامل، فالأرض عندما تدور حول محورها فإن كل شيء معها يدور الإنسان والبحار والأشجار والحيوان، ولذلك فإن هذه الآية لابد أن يكون فيها معجزة تتعلق تحديداً بحركة الجبال، وهذا ما سنكتشفه من خلال الفقرات الآتية.
حركة الألواح الأرضية
في عام 1912 اقترح العالم Alfred Wegener نظرية الانجراف القاري بعد ما لاحظه من دلائل تؤكد أن القارات كانت كتلة واحدة. وقد كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها شخص عن حركة اليابسة بما تحمله من جبال ووديان، وقد تعجب أن العالم الذي اقترح هذه النظرية قد اتَّهمه الناس بالجنون، ولم يصدقوا بأن الجبال يمكن أن تتحرك!!
ففي ذلك الوقت كان من الصعب جداً أن يتصور العلماء بأن هذه الكتل الضخمة من اليابسة تطوف حول العالم! كان من الصعب أن يتخيل الناس أن الألواح الأرضية تتحرك وتمتد، وربما يكون علماء أمريكا هم أشد عداءً لهذه الفكرة في ذلك الوقت، وبقي هذا العداء حتى منتصف الستينات من القرن العشرين، ولكن الحقائق العلمية والدلائل التي تثبت حركة ألواح الأرض أصبحت كثيرة وأكبر من أن تدحض.
ومنذ السبعينيات من القرن العشرين بدأت نظرية تحرك القارات تأخذ شكل الحقيقة العلمية، حتى جاء القرن الحادي والعشرين عندما رأى العلماء حركة هذه القارات رؤية يقينية من خلال الأقمار الاصطناعية والرادارات والمراصد الفلكية المتوضعة في أماكن مختلفة من الأرض.
وهناك إثباتات من الرسوبيات والأحافير والنباتات والحيوانات وغير ذلك حيث وجد العلماء نفس الآثار في جميع القارات، ومن غير المعقول أن هذه الكائنات الحية التي عاشت قبل ملايين السنين مثل الديناصورات قد عبرت المحيطات من قارة لأخرى، ولذلك فإن المنطق العلمي يفرض بأن القارات كانت مجتمعة في كتلة واحدة ثم انفصلت وتباعدت خلال مئات الملايين من السنين.
تتركب القشرة الأرضية مع الطبقة التي تليها من مجموعة من الألواح، وتوجد بين هذه الألواح صدوع أو شقوق. وقد تبين للعلماء أن هذه الألواح في حالة حركة دائمة، وبنتيجة حركة الألواح واصطدامها مع بعضها تتشكل الجبال، وهذه الجبال تكون في حالة حركة دائمة أيضاً.
يعتقد علماء الجيولوجيا اليوم أن سطح الكرة الأرضية ليس كتلة واحدة بل أشبه بلوح مكسور إلى مجموعة ألواح ومتوسط سماكة هذه الألواح 80 كيلو متر، وهذه الألواح تتحرك فوق طبقة ثقيلة وساخنة وتسير الألواح بسرعة 10 سنتمتر وسطياً في السنة. وعلى حدود هذه الألواح تتوضع معظم البراكين في العالم، وتكون المناطق الحدودية من أكثر المناطق تعرضاً للزلازل والهزات الأرضية.
وتوجد ثلاثة أنواع لحركات الحدود التي تفصل بين الألواح وهي:
1- نهايات متباعدة: وهنا نجد أن الألواح تتباعد عن بعضها مما يشكل فجوات تمتلئ بالحمم المنصهرة المتدفقة من الأرض على مر ملايين السنين وتشكل قشرة أرضية جديدة عند هذه المنطقة.
2- نهايات متقاربة: وتنشأ عند اقتراب الألواح الأرضية من بعضها فتنزلق لتشكل الوديان، أو تصطدم ويبرز أحد اللوحين وتشكل السلاسل الجبلية وتنشأ الجبال تدرجياً بطريقة الانتصاب، ومن هنا ربما ندرك عمق الآية الكريمة عندما طلب الله منا أن نتأمل إلى هذه الجبال كيف نُصبت فقال: (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [الغاشية: 19].
3- تصطدم الألواح مع بعضها عند الحواف مباشرة وهنا تحدث الهزة الأرضية الزلازل.
كيف تتحرك الجبال؟
الجبل هو منطقة من الأرض ترتفع بشكل مفاجئ عما حولها. والسلاسل الجبلية هي مجموعة كبيرة من الجبال تمتد لآلاف الكيلو مترات وتشكل ما يشبه الأحزمة. مثل سلسلة جبال الهملايا شمال الصين، وسلسلة جبال الألب في قلب أوربا.
ففي سلسلة جبال الهملايا توجد أعلى قمم في العالم تشكلت قبل حوالي 45 مليون سنة، وذلك بعد أن اصطدم لوحان من الألواح القارية بعضهما ببعض، فتشكلت هذه السلاسل وبرزت كنتيجة للتصادم العنيف. وهناك بعض السلاسل الجبلية في شمال شرق أمريكا يعود تاريخ تشكلها إلى ما قبل ألف مليون سنة.
للجبال عدة حركات أهمها:
1- حركة أفقية مع ألواح الأرض. فاللوح الهندي مثلاً يتحرك مع ما يحمله من جبال كل سنة عدة مليمترات، إذن الجبال تتحرك وتمر وتُدفع بنتيجة التيارات الحرارية للطبقة التي تلي جذور الجبال.
2- حركة عمودية بنتيجة التيارات الحرارية أيضاً والتي تساهم في رفع الجبل وخفضه عدة مليمترات كل سنة.
3- هناك حركة اكتشفت حديثاً، ففي عام 2006 وجد أحد العلماء وهو البرفسور Russell Pysklywec من جامعة تورنتو أن الأمطار الهاطلة بالقرب من الجبال فإنها تختزن في خزانات ضخمة تحت الجبال وتؤثر على جذور الجبال. قام هذا العالم ببحثه في جبال الألب جنوب نيوزلندة، فوجد أن الأمطار تسبب للجبال تآكلاً مقداره 10 مليمتر كل سنة.
ويؤكد العلماء وجود مراحل لنشوء الجبال حيث تبدأ بتمدد الألواح ثم اصطدامها ثم تشكل الجبال ثم تفسح المجال أمام الأنهار لتتشكل، إذن نحن أمام ثلاثة مراحل: امتداد الألواح أي تمددها، ثم نشوء الجبال الرواسي، ثم تشكل الأنهار، وهذا ما لخصه لنا القرآن بكلمات قليلة في قول الحق تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا) [الرعد: 3].
ويقول البروفسور Pysklywec إن هذه الأمطار وما تختزنه الجبال من مياة تغير سلوك الجبال من حيث الحركة، وتؤثر على حركة الألواح التي تحمل هذه الجبال وبالتالي يمتد التأثير ليصل إلى جذور الجبال.
ويستغرب هذا العالم من وجود هذه الحركة الغريبة والمعقدة للجبال، ويقول: "إننا لم نكن نتوقع أن التغيرات على سطح الجبل يمكن أن تؤثر على جذر هذا الجبل وعلى حركته، إنها المرة الأولى التي ندرك فيها أن الألواح الأرضية تتحرك بفعل التأثيرات الخارجية على سطح الأرض".
يقوم البرفسور Pysklywec بتجاربه على الحاسوب، طبعاً الكمبيوتر العادي لا يمكن أن يقوم بمثل هذه التجارب المعقدة، لذلك يلجأ إلى الكمبيوتر العملاق المسمى "سوبر كمبيوتر" حيث يضع برامج خاصة لمحاكاة ما يحدث على عمق عدة مئات من الكيلو مترات تحت سطح الأرض حيث تبلغ درجة الحرارة أكثر من 1500 درجة مئوية، وكل تجربة يستغرق هذا الكمبيوتر وعلى الرغم من سرعته الفائقة يستغرق عدة أيام لإنجازها، إن هذه الظروف قد تغير حركة الألواح لتعكس اتجاهها.
إذن الحقيقة التي يقررها العلماء اليوم هي أن الجبال تمر وتتحرك وأحياناً تعكس اتجاه حركتها وسبب هذه الحركة أنها تُدفع بواسطة التأثيرات الحرارية الباطنية للأرض، تماماً كما تدفع الرياح الغيوم! ولكن حركة الجبال لا يمكن إدراكها مباشرة ولكن تأثيراتها تظهر خلال ملايين السنين.
صورة تمثل حركة الجبال مع القشرة التي تتوضع عليها، وهذه الحقيقة العلمية لم تُكتشف إلا في منتصف القرن العشرين، ومنذ أقل من سنة فقط تبين للعلماء أن حركة الجبال معقدة جداً، وهي حقيقة يقينية أن الجبال تتحرك وتمر مروراً بسبب قوة الدفع التي تولدها التيارات الحرارية تحت جذور الجبال، تماماً مثل مرور الغيوم في السماء عندما تحركها قوة الدفع للرياح!! ولذلك يقول تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. المصدر http://www.whoi.edu/
اكتشاف جديد
قام علماء من ألمانيا منذ أيام باكتشاف جديد في مجال حركة الجبال!!! فقد تبين لهم أن قارة أوربا وقارة أمريكا الشمالية تبتعدان عن بعضهما بمعدل 18 ميليمتر كل عام، وقد وجدوا أيضاً أن هذه المسافة دقيقة جداً، لأنهم يستخدمون المراصد الفلكية لرصد حركة النجوم، وهناك مراصد تتوضع في أوربا وأخرى تتوضع في أمريكا، وعندما تتلقى هذه المراصد الإشارات الراديوية من النجوم النيوترونية مثلاً (وهي التي سماها القرآن بالطارق)، وهذه الإشارات دقيقة جداً وهي أفضل من أي ساعة أرضية، أي أنها منتظمة، ولذلك يجب أن تتلقى المراصد الفلكية على الأرض هذه الإشارات في نفس الوقت مع فارق ضئيل جداً يتناسب مع بعد كل من المرصدين.
وعندما قاس العلماء هذه الفوارق بدقة متناهية وجدوا أن هناك حركة للوح الذي يحمل قارة أوربا وحركة أخرى للوح الذي حمل قارة أمريكا وأن هذين اللوحين يتحركان بسرعة تصل إلى 18 مليمتر في السنة، أي أن الجبال التي تحملها هذه الألواح تتحرك أيضاً.
صورة لقارة أستراليا توضح كيف تتحرك هذه القارة باتجاه الشمل الشرقي، بمعدل 73 مليمتر في السنة، ويتحرك قاع البحار من حولها 50 مليمتر في السنة باتجاه الشرق. المصدر http://www.ga.gov.au/
إن الجبال الموجودة على الكواكب مثل المريخ تتحرك أيضاً! فقد وجد العلماء أدلة مقنعة على حركة أن القشرة التي تغلف سطح المرج (أي الطبقة الخارجية) تتحرك، فهذا الكوكب يشبه الأرض فهو يتألف من طبقات أيضاً، القشرة من الخارج ثم الوشاح ثم النواة. وطبعاً منطقة الوشاح تحت القشرة لزجة وحارة جداً، وتتحرك القشرة فوقها وتطفو، وهذا يثبت أن الجبال على سطح المريخ تتحرك أيضاً.
إعجاز مذهل!!
إن الذي يتأمل هذه الاكتشافات العلمية، وجميعها تؤكد على حركة الجبال فهي تتحرك ولا نشعر بها أبداً، ومن هنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) النمل: 88]. هذه الآية العظيمة هي دليل عظيم على صدق القرآن وأنه كتاب الحقائق، فلا يمكن لأحد زمن نزول القرآن أن يتنبأ بحركة الجبال ويصفها بأنها تشبه مرور الغيوم، وهذا التشبيه صحيح علمياً.
فالغيوم تُدفع بالتيارات الهوائية الناتجة عن فروق درجات الحرارة، وكذلك الجبال تُدفع بالتيارات الحرارية الناتجة عن فروق درجات الحرارة على عمق مئات الكيلو مترات. كذلك فإن حركة الغيوم تكون عادة انسيابية وبطيئة وكذلك حركة الجبال انسيابية وبطيئة ولا نكادج نحس بها.
الغيمة قد تغير اتجاه حركتها حسب قوى الرياح التي تدفعها، وكذلك الجبل يمكن أن يغير ويعكس اتجاه حركته أيضاً، حسب الظروف البيئية المحيطة به. أيضاً إذا دققنا النظر في أي غيمة نرى بأنها تتحرك في كافة الاتجاهات: إلى أعلى وأسفل وإلى الشرق أو الغرب، وكذلك الجبل يتحرك في جميع الاتجاهات.
شكل يمثل حركة الجبال على القشرة الأرضية بفعل التيارات الحرارية التي تحدث تحت هذه القشرة، وتدفع الجبال تماماً كما تدفع الرياح الغيوم، وصدق الله عندما قال: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. المصدر Amateur Astronomy & Earth Sciences, December 1995
ومن عظمة هذه الآية أنه لا يوجد تناقض في فهمها على مر العصور، فمنذ مئات السنين فهم المفسرون هذه الآية على أنها تتحدث عن حركة الجبال يوم القيامة، وهذا الفهم صحيح لأن الجبال بالفعل ستتحرك وتسير ثم ينسفها ربنا ويسويها بالأرض.
وحديثاً فهم علماؤنا هذه الآية على أنها تتحدث عن دوران الأرض حول نفسها، وهذا فهم صحيح لأن الأرض بالفعل تتحرك مع كل ما تحمله من جبال وبحار ومخلوقات. ونحن اليوم نفهم من هذه الآية إشارة واضحة إلى حركة الألواح الأرضية وإلى حركة الجبال على هذه الألواح، وقد يتطور العلم فنجد أننا أمام فهم جديد، وتبقى الآية صحيحة وتتفق مع العلم الحديث مهما تطور هذا العلم، وهذا لا يكون إلا لكلام الله تعالى.
الهدف من هذه الحقيقة الكونية
والآن نتساءل: لماذا ذكر الله تعالى هذه الحقيقة الكونية الخفية في كتابه؟ ولماذا أمرنا أن نتدبرها؟ هل لمجرد حب المعرفة أو الفضول أو معرفة أسرار الكون، أم أن هناك أهدافاً أخرى؟ الحقيقة عندما نتأمل هذه الآية نلاحظ أن الله اختتمها بقوله: (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)، فما علاقة حركة الجبال التي لا نراها بعلم الله بأفعالنا؟
بعد تأمل طويل لهذه الآية وجدت وكأن هذه الآية تحمل رسالة لنا نحن البشر، وبخاصة المؤمنين: اعلموا كما أن الله تعالى يعلم حركة هذه الجبال وأنتم لا ترونها، وأن الله قد أخبركم عن هذه الحركة الخفية ولم تتأكدوا منها إلا بأدق الأجهزة، كذلك فإن الله تعالى يعلم كل فعل تقومون به، أو كلمة تنطونها، أو فكرة قد تخطر ببالكم، فينبغي عليكم أن تحسوا بمراقبة الله لحركاتكم وسكناتكم، لأنه يراها وسيحاسبكم عليها.
وهذه الرسالة ينبغي أن نتأملها جيداً، فالله الذي يرى الجبال وهي تتحرك، كذلك يرى كل عمل نقوم به وهو أخبر بنا من أنفسنا، فهل نشعر بمدى علم الله تعالى وهل نعظّم هذا الإله الذي أتقن كل شيء؟
وأمام هذه الحقيقة لا نملك إلا أن نسبح الله تعالى، وأن نقف خاشعين أمام عظمة هذا القرآن، وأمام عظمة إعجازه وآياته، كيف لا والله يقول: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21].
إنها آيات عظيمة تشهد على قدرة الخالق وعظمة كلامه، فأين أنتم أيها المشككون بهذا القرآن، وأين هي كتبكم وعلومكم، نحن لا ننكر أن لكم فضلاً في اكتشاف هذه الحقائق، ولكن ينبغي عليكم ألا تنكروا فضل القرآن في الحديث عن هذه الحقائق وأن هذا الكتاب جدير بالتدبر والتأمل، يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 111].
Posted by:
محمد على عابدين
0
التعليقات
كلما اكتشف العلماء حقيقة جديدة تبين أن القرآن قد تحدث عنها، أو أشار إليها ومن هذه الظواهر الغلاف الجوي للأرض وبخاصة طبقة الأيونوسفير التي تحمي الأرض وتعكس الأمواج الكهرطيسية....
في بحث جديد لوكالة الفضاء الأمريكية NASA تبين أن الغلاف الجوي مهم جداً لاستقرار الأرض، وحفظها من العواصف الشمسية القوية. فقد أرسلوا العديد من الأقمار الاصطناعية إلى مدارات مختلفة حول الأرض، وتبين لهم أن طبقة الأيونوسفير هي طبقة تحتوي ذرات مؤينة وهي غنية بالإلكترونات وتمتد فوق سطح الأرض حتى ألف كيلو متر تقريباً.
هذه الطبقة يسمونها Reflector أي "عاكس" ولو رجعنا إلى اللغة العربية نجد أن كلمة "رجْع" هي خير كلمة تعبر عن حقيقة هذه الطبقة حيث أنها تُرجع الأمواج الكهرطيسية التي يرسلها الإنسان ويتواصل بها من خلال الاتصالات الرقمية في الفضاء، وهي تُرجع الرياح الشمسية العنيفة وتردها وتعكسها للخارج فلا تصيب الأرض بأي أذى.
رسم يُظهر الجاني المظلم الجانب المضيء للأرض، ونرى أيضاً محاولة لتفسير ظاهرة الشفق القطبي، وهي الألوان الزاهية التي تنعكس عن السماء! وقد تبين أن دوران الأرض حول نفسها يؤدي إلى تعاقب الليل والنهار، وهذا الدوران مهم جداً لاستقرار الأرض، ولاستمرار الحياة، فهل نتذكر نعمة الليل والنهار؟ يقول تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص: 71-73]. مصدر الصورة NASA
طبعاً نحن غافلون عن هذه النعم لأن هذا الغلاف يعمل منذ ملايين السنين ويحمينا من شر الشمس، ولكن الملحدين معرضون عن هذه النعمة العظيمة، ولذلك قال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 32]. وبالفعل نجد علماء الغرب ينظرون إلى هذا الغلاف الذي يحمي الأرض ويلتقطون الصورة تلو الأخرى، ويؤلفون الأبحاث عن فوائد هذا الغلاف وكأنه وُجد بالمصادفة، أو جاء من الفراغ، وينسون أن الله تعالى هو من خلق هذا الغلاف وسخره لحمايتنا!
كذلك فإن خاصية الانعكاس التي يقوم بها هذا الغلاف وبخاصة طبقة الأيونوسفير، ذكَّرنا بها القرآن أيضاً، بل وأقسم بها، يقول تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) [الطارق: 11-13]. فمن الذي يعلم بأن السماء (طبعاً الغلاف الجوي هو جزء من السماء الدنيا)، تعكس وترجع أي شيء يصطدم بها؟!! ومن الذي يعلم بأن هذه السماء تحمي وتحفظ الأرض ومن عليها من شر الرياح الشمسية وشر النيازك والشهب والحجارة التي تحيط بالكرة الأرضية وتلف حولها عبر المجموعة الشمسية منذ ملايين السنين دون أن تصطدم بها، مَن الذي يصرف عنا شر هذه الحجارة؟
إنه الله تعالى الذي ذكرنا بهذه النعمة فقال: (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِير) [الملك: 17]. والحاصب هو الحجارة الصغيرة. ولذلك ربما ندرك لماذا كانت أول آية يذكرها المؤمن بعد البسملة هي (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2]. وهنا تحضرني قصة لا أدري مدى مصداقيتها ولكن أذكرها للعبرة.. فقد قال موسى عليه السلام: يا رب! إنك أعطيت الإنسان كل هذه النعم فكيف يمكن أن يفي ولو جزءاً منها؟ فقال الله يا موسى: يكفي أن يقول العبد: الحمد لله!!
ونقول: وسبحان الله! حتى هذه الكلمة الخفيفة (ولكنها ثقيلة عند الله) ينكرها الملحدون ويردّون كل هذه النعم إلى المصادفة العمياء وإلى الطبيعة الصماء، فهل يدركوا أن الله تعالى هو صاحب هذه النعم، يقول تعالى: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [النمل: 59-64].
Posted by:
محمد على عابدين
0
التعليقات
وتمتد السماء مليارات السنوات الضوئية لمسافة لا يعلم حدودها إلا الله تعالى، وكل ما نراه من مجرات وغبار كوني هو في السماء الدنيا التي زينها الله بهذه المجرات والنجوم.
والقرآن طرح أمراً منطقياً وعلمياً لم يكن أحد يتصوره زمن نزول القرآن وهو احتمال أن تقع السماء على الأرض، ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك علمياً؟
زمن نزول القرآن لم يكن أحد يتصور أن الغلاف الجوي للأرض له وزن ثقيل جداً، ولم يكن أحد يعلم شيئاً عن مخاطر زوال هذا الغلاف أو انهياره. ولكن القرآن عبَّر عن هذه الحقيقة المحتملة بآية عظيمة، حدثنا من خلالها عن نعمة من نعم الخالق تبارك وتعالى، فهو الذي يمسك هذا الغلاف فلا يتبدد ويزول.
في زمن نزول القرآن لم يكن احد يعلم أن الهواء له وزن، وإذا ما حسبنا وزن الغلاف الجوي للأرض نجده مساوياً 5 مليار مليار كيلو غرام! إذاً الغلاف الجوي الذي يعتبر سماء بالنسبة لنا، ثقيل جداً.
تصوَّروا لو أن حجراً وزنه 5 مليار مليار كيلو غرام سقط على الأرض ماذا سيفعل؟ إن الذي يمسك هذا الغلاف الجوي هو الله تعالى، يمسكه من خلال القوانين التي سخرها لتحكم هذا الغلاف. فمثلاً لو كانت كثافة الغلاف الجوي أقل مما هي عليه الآن لتبخر وهرب إلى الفضاء الخارجي. ولو أن جاذبية الأرض كانت أقل مما هي عليه الآن لم تتمكن الأرض من الإمساك بهذا الغلاف... ولذلك فإن الله تعالى اختار الحجم المناسب والوزن المناسب لكوكب الأرض بما يضمن بقاء الغلاف الجوي متماسكاً.
ومن هنا يمكننا أن نفهم معنى قوله تعالى في هذه الآية العظيمة: (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج: 65]. ويمكن أن نفهم هذه الآية بطريقتين والعجيب أنه لا يوجد تناقض بين العلم والقرآن في كلتا الحالتين:
1- إذا فهمنا أن السماء تعني الغلاف الجوي فهذا صحيح، وإن سقوط الغلاف الجوي على الأرض وعدم بقائه متماسكاً في مكانه، يشكل كارثة تؤدي إلى زوال الحياة من على الأرض، ومن رحمة الله بعباده أنه يُبقي هذا الغلاف في مكانه، فهو الذي يمسكه سبحانه وتعالى.
2- إذا فهمنا أن السماء هي الفضاء الخارجي خارج الأرض، فهذا يعني أن أي اصطدام لجزء من أجزاء السماء، مثل مذنب أو كويكب أو نيزك عملاق، سوف يؤدي إلى كارثة عظيمة وزوال الحياة من على الأرض. ويؤكد العلماء أن احتمال اصطدام حجر نيزكي بالأرض هو أمر منطقي، يمكن أن نفهم الآية الكريمة على أنها تخبرنا بنعمة من نعم الله تعالى، وهي أنه عز وجل يمسك هذه الأجرام الكونية في مكانها، ولا يدعها تقترب من الأرض، وقد سخَّر القوانين اللازمة لضمان سلامة الأرض وبقائها بعيداً عن مدارات الكويكبات والنيازك والأحجار التي تسبح في فضاء المجموعة الشمسية.
ولا نملك إلا أن نحمد الله تعالى على هذه النعمة ونقدّر قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)، فالحمد لله!
Posted by:
محمد على عابدين
0
التعليقات
يقول تبارك وتعالى عن السُّحُب: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ) [الروم: 48]. إن الذي يتأمل هذه الآية يدرك أن الله يوزع الغيوم في السماء بأشكال متنوعة كما يريدها سبحانه وتعالى، ولذلك فإن العلماء يرصدون كل فترة أشكالاً جديدة للغيوم.
والصور الآتية التقطت حديثاً لتشكيلات من الغيوم لم يرها العلماء من قبل، تدل على قدرة الخالق وأنه بالفعل يبسط السحاب كيف يشاء، لنتأمل ونسبح الله تعالى.
الذي يحير العلماء في الغيوم طريقة تشكلها بصور رائعة، كيف يحدث ذلك؟ بلا شك لو كانت العملية عشوائية لما جاءت تشكيلات الغيوم بمثل هذا التناسق، وهذا ما يدعو العلماء اليوم للتفكير بوجود "قوة خفية" تبرمج وتحرك جزيئات البخار لتصعد وتتشكل بهذه الطريقة! ولكن هذه القوة هي قدرة الخالق تبارك وتعالى القائل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامً) [النور: 43]، ويقول تعالى عن نفسه: (وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) [الرعد: 12]. وهذه ميزة القرآن أنه يقدم لك إجابة عن كل شيء يحيط بك، ولا يتركك حائراً كما يفعل علماء المصادفة اليوم!
Posted by:
محمد على عابدين
0
التعليقات
إن المتمعن في هذه الآية يلاحظ أن الحديد هبط إلى الأرض ولم ينشأ منها والدليل قوله تعالى (وأنزلنا الحديد) فما أين أتى الحديد ؟ هذا ما سوف نناقشه في البحث التالي.
يقرر علماء الفلك أن الكون الحالي الذي نراه ونسبر أغواره بالتقنيات والأجهزة الحديثة قد تطور من حالة بدائية لم يكن فيها غير الإيدروجين والهيليوم على شكل سحب هائلة تملأ فراغ الكون منذ فترة من الزمن تقدر بحوالي 10 إلى 20 بليون سنة، ثم أخذ هذه السُحب في التكثف لتكون النجوم التي تنتظم في مجاميع هائلة تسمى المجرات، والنجوم هي الأفران الكونية التي يتم فيها طبخ المادة الأولية للكون، وهي الإيدروجين، لإنتاج عناصر الكون الأخرى، وهي أيضاً مصدر الإشعاعات في هذا الكون. وبمجرد ظهور النجم، أو قل ولادته، يمر بدورة حياة تنتهي بوفاته طالت أم قصرت.
وتبدأ هذه الدورة بولادة النجم من أحد السدم الغازية وتنتهي بوفاته وتحوله إلى رفات على هيئة واحد من الأجسام الغريبة المتناثرة في الفضاء، وما بين الولادة والوفاة تمر النجوم بدورة تختلف في تفاصيلها حسب كتلة النجم، أي: كمية المادة المركزة فيه، وقد تأخذ هذه الدورة وقتاً قصيراً في حدود المليون سنة، وقد تطول ليصل عمر النجم إلى بلايين أو آلاف البلايين من السنين، الغريب في الأمر أنه كلما كبرت كتلة النجم كلما قل عمره، وزادت أحداث حياته عنفاً، وكلما صغرت كتلة النجم كلما زاد عمره وقل عنف الأحداث التي يمر بها. وقد أمكن دراسة هذه الدورة من دراسة الشمس أولاً ومن دراسة بعض النجوم الأخرى التي تستطيع تليسكوباتنا أن تكشف تفاصيلها، فعملية ولادة النجوم عملية مستمرة منذ أن خلق الله الكون في البداية إلى الآن، ولذلك يحوي الكون نجوماً بكتل مختلفة وبأعمار مختلفة منها يمكن معرفة مراحل التطور المتتالية للنجوم حسب كتلتها. وتعتبر الشمس نجماً متوسطاً من ناحية الكتلة، فكتل النجوم التي ترصدها التليسكوبات تتراوح من حوالي خمس كتلة الشمس إلى خمسين ضعف كتلتها، كذلك فإن الشمس تمر الآن بمنتصف عمرها، فهذا العمر يقدر بحوالي عشرة بلايين سنة، انقضى منها حوالي خمسة حتى الآن وباقي خمسة أخرى.
تبدأ أول بادرة ميلاد نجم يتجمع عدد من ذرات الإيدروجين نتيجة اصطدامها ببعضها في لحظة واحدة، وتبين الحسابات الفلكية أن مثل هذا الحدث شائع في جميع أجزاء الكون نتيجة الحركة الدائبة للذرات في السحب الكونية. وبمجرد تكون مثل هذا التجمع من الذرات يصبح له مجال جاذبي يعمل على جذب مزيد من الذرات إليه، وبالتالي: تزيد شدة هذا المجال الجاذبي فيجذب إليه مزيداً من الذرات وهكذا ينمو هذا التجمع باستمرار وتزيد كتلته بالتدريج إلى أن تصل إلى مقدار هائل ليصبح نجماً وليداً، ويقدر علماء الفلك أن ذلك يستلزم تجمع عدد من الذرات، في حدود حوالي 10 57 ذرة. وهذا رقم لا يوجد شيء على الأرض يضارعه، فلو قدرنا عدد حبيبات الرمال الموجودة في الأرض كلها فلن تزيد عن 10 25 ولو حسبنا عدد النيوتورنات والبروتونات الموجودة على سطح الأرض كلها فلن تزيد عن 10 51 وهذا العدد تبلغ كتلته حوالي 10 33 جرام؛ أي: حوالي نصف كتلة الشمس، أي: أن التجمع الذري لا يعتبر نجماً وليداً إلا إذا وصلت كتلته إلى حدود كتل النجوم وتفرض القوانين الفيزيائية على النجم الوليد أن يدور حول نفسه وينكمش حجمه بتأثير اندفاع الذرات، وسقوطها نحو مركزه، وهو أقوى نقطة للجاذبية فيه، ويؤدي ذلك إلى ارتفاع درجة الحرارة في المركز بالتدريج، وكلما ازداد اندفاع الذرات نحو المركز وانضغاطها فيه كلما ازدادت قوة الجاذبية وارتفعت درجة الحرارة فيه إلى أن تصل إلى عشرة ملايين درجة مئوية، وهذه هي اللحظة التي يتحول فيها النجم الوليد إلى نجم حقيقي أو نجم يافع ( ناضج ) ويبدأ في إنتاج الطاقة في نقطة المركز؛ فعند وصول درجة الحرارة إلى عشرة ملايين درجة مئوية تتحرر نويات الإيدروجين من الكتروناتها ويصبح تصادمها من القوة بحيث تندمج كل أربعة بروتونات مع بعضها، وتقتنص الكترونين من الالكترونات المحررة وتتحول إلى نواة هيليوم تتكون من برونونين (العدد الذري للهيليوم = 2 ) ونيروترونين، وتنطلق طاقة التفاعل الاندماجي، أي: يبدأ الهيدروجين في الاحتراق ويتحول إلى هيليوم وتبدأ مرحلة النجم الحقيقي، فالتجمع الغازي لا يسمى نجماً قبل بداية التفاعل النووي الاندماجي الذي ينتج الطاقة ويطبخ العناصر كما سنرى، ولذلك سمي ذلك التجمع نجماً وليداً. ومنذ هذه اللحظة يعيش النجم في توازن بين قوة الجاذبية التي تعمل على انكماشه وتدافع مادته نحو المركز وبين الضغط الشديد المتولد بداخله نتيجة التفاعل الاندماجي والذي يعمل على معادلة قوة الجاذبية نحو المركز، فعندما تقل شدة التفاعل النووي داخل النجم تتغلب قوة الجاذبية على الضغط الداخلي وتؤدي إلى انكماش النجم وزيادة الاندفاع نحو المركز الذي تزداد فيه درجة الحرارة إلى أن يعود التفاعل الاندماجي إلى شدته فيولد الضغط الذي يعادل قوة الجاذبية، أما إذا تصاعد التفاعل النووي بشدة فإن الضغط المتولد قد يزيد على قوة الجاذبية فيتمدد النجم ويزيد حجمه زيادة كبيرة. وتسير الأمور على هذا المنوال إلى أن يصل النجم إلى أواخر حياته وينفد وقوده النووي وتتوقف التفاعلات الاندماجية بداخله وتنتصر قوة الجاذبية في النهاية وتعمل على انكماش النجم بقسوة بالغة لا توجد الكلمات التي تعبر عنه حتى يختفي من الوجود تماماً أو يتحول إلى واحد من الأجرام الضئيلة الباردة المتناثرة في أرجاء الكون الفسيح. وتختلف تفاصيل وعنف الأحداث التي يمر بها النجم كذلك الفترة الزمنية التي تستغرقها حياته على كتلته عند مولده، وعلى هذا الأساس يمكن تمييز النجوم إلى صغيرة ومتوسطة وكبيرة تتشابه في مولدها ولكنها تختلف كثيراً في حياتها ومماتها، تماماً مثل البشر.
أ ـ النجوم الصغيرة:
وهي النجوم التي تبلغ كتلة الواحد منها أقل من نصف كتلة الشمس تقريباً، فهذه عندما تصل درجة الحرارة في مركزها إلى 10 مليون درجة مئوية، يبدأ فيها تكون الهيليوم من اندماج نويات الإيدروجين ويستمر هذا التفاعل في إنتاج الحرارة، ويبقى النجم طيلة مرحلة النضوج في توازن بين قوة الجاذبية التي تعمل على انكماشه وقوة الضغط الداخلي الناشىء في لب النجم نتيجة التفاعل النووي الاندماجي فيظل حجم النجم ثابتاً وإشعاعه ثابتاً لفترات تصل لبلايين السنين. ولكن عند استنفاد الإيدروجين الموجود في اللب يتوقف التفاعل النووي الاندماجي ويقل الضغط الداخلي الذي كان يقاوم الجاذبية التي تربح الجولة الأخيرة، وتؤدي بالنجم إلى الانكماش في الحجم وبداية رحلة الفناء، فيصغر حجم النجم إلى أن يصل إلى حجم الكرة الأرضية أو أقل، وتزداد كثافته زيادة هائلة حتى أن وزن السنتيمتر المكعب من مادته يعادل وزن خمسين طناً على سطح الأرض! وهنا يدخل النجم مرحلة الاحتضار فيظل حجمه ثابتاً ويشع الطاقة المخزونة فيه منذ مرحلة نضوجه السابقة ويرى في التليسكوب على هيئة جرم صغير يسطع بضوء أبيض ويسمى في هذه الحالة قزماً أبيض، وفي النهاية بعد أن تنفد طاقته المخزونة يأفل لمعانه بالتدريج ويتحول إلى قزم أسود بارد يتوارى عن الأنظار.
ب ـ النجوم المتوسطة:
وهي النجوم التي تتراوح كتلتها ما بين نصف كتلة الشمس وثلاثة أضعاف كتلتها تقريباً. وفي هذه النجوم تسير الأحداث أولاً مثل النجوم الصغيرة، ولكن بعد استنفاد الإيدروجين في اللب وتحوله إلى هيليوم تكون درجة الحرارة في الغلاف الذي يحيط باللب قد وصلت إلى 10 مليون درجة مئوية فيبدأ هذا الهيدروجين في الاحتراق من الداخل إلى الخارج، ويؤدي هذا الاحتراق النووي إلى تمدد الغلاف بدرجة كبيرة حتى يصل قطره إلى عدة آلاف من المرات مثل قطر النجم الأصلي، ويتحول النجم من نجم عادي إلى نجم مارد (giant star) ويطلق عليه أحياناً اسم المارد الأحمر (red giant) حيث إن إشعاعه يكتسب لوناً أحمر، ويقدر للشمس أنها ستصل إلى هذه المرحلة بعد حوالي 5 بلايين سنة، وعندئذٍ سيصل تمددها إلى أبعد من بلوتو، وهو أبعد كواكبها عنها ( متوسط المسافة بين بلوتو والشمس 5900 مليون كيلو متر، وقطر الشمس مليون و392 ألف كيلو متر ) وستحيل كل كواكبها إلى غازات ملتهبة، وفي أثناء هذا التمدد تزداد حرارة اللب الذي يتكون من الهيليوم بالتدريج زيادة كبيرة حتى تصل إلى 100 مليون درجة مئوية، فيبدأ الهيليوم في الاحتراق ( أو الاندماج ) لتكوين الكربون والأكسجين فيعمل على زيادة الحجم أكثر وأكثر حتى يصل إلى أحجام قريبة من أحجام السدم، ويسمى في هذه الحالة السديم النجمي (planetary nebuia) أي السديم الذي تكون من تمدد نجم في أواخر مرحلو نضوجه. وقد يحدث لبعض النجوم وهي في هذه المرحلة بعض الانفجارات العنيفة فتقذف بجزء من مادتها الملتهبة في الفضاء حولها ويظهر ذلك في تليسكوباتنا على هيئة زيادة مفاجئة في لمعان النجم لفترة قصيرة، ثم يعود إلى لمعانه السابق، ويطلق على هذا اللمعان المفاجىء اسم النوفا (nova). ويبقى النجم في هذه الحالة إلى أن ينتهي احتراق الهيليوم في اللب فتنتهي بذلك فترة نضوجه ويبدأ في شيخوخته ثم اختصاره، فبعد نفاد الوقود النووي بداخل النجم العملاق أو السديم النجمي لا يوجد ما يوقف الجاذبية من جذب مادة النجم كلها نحو مركزه بقسوة بالغة تؤدي إلى انكماش النجم وتضاغط مادته وتحوله إلى قزم أبيض ينتهي به الحال إلى قزم أسود بارد كما يحدث للنجوم الصغيرة.
ج ـ النجوم الكبيرة:
وهي النجوم التي تبلغ كتلتها أكثر من ثلاثة أمثال كتلة الشمس. وتمر هذه النجوم بنفس المراحل التي تمر بها النجوم المتوسطة حتى تصل إلى مرحلة المارد الأحمر، ولكن الأمر يختلف بعد ذلك، فبعد تحول كل الهيليوم في اللب إلى كربون وأكسجين فإن هذا اللب ينكمش تحت تأثر جاذبيته فتتزايد درجة حرارته أكثر وأكثر حتى تصل إلى 600 مليون درجة تقريباً وهي الحرارة اللازمة لإتمام الاندماج بين ذرات الكربون فيبدأ احتراق الكربون احتراقاً نووياً ليعطي العناصر الأثقل مثل الماغنيسيوم والسليكون، وعند استنفاد الكربون من اللب يعود اللب إلى الانكماش وتتزايد حرارته إلى أن تصل إلى الدرجة اللازمة لاحتراق العنصر الأثقل، وهكذا يستمر النجم في تصنيع وحرق العناصر واحداً تلو الآخر، وقد يمر النجم بمرحلة المارد الأحمر عدة مرات في كل مرة ينتقل الاحتراق من عنصر إلى العنصر التالي، إلى أن يصل إلى الحديد الذي يحدد بداية النهاية للنجم، فالحديد يختلف عن كل العناصر السابقة في أنه غير قابل للاحتراق مثلما سبقه من العناصر، فاندماج نويات الحديد لا تنتج عنه طاقة بل يحتاج هو نفسه على طاقة، ولذلك فإن ظهور الحديد في لب النجم الكبير يعتبر إنذاراً بنفاد مخزونه من الوقود النووي وإعلاناً عن بداية النهاية المحتومة فعندما يصبح اللب من الحديد ويتوقف فيه إنتاج الطاقة يحدث للنجم انفجار هائل يؤدي إلى تطاير كل مادته التي تحيط باللب في الفضاء وينتج عن ذلك إشعاع كميات هائلة من الطاقة تصل إلى بلايين المرات مثل إشعاع النجم الأصلي أو إلى ما يعادل إشعاع مجرة بأكملها، ويؤدي ذلك إلى تكون سديم من المادة المتطايرة يحوي في داخله اللب الحديدي الذي تحدث فيه أحداث عظام، ويسمي علماء الفلك هذا الانفجار الهائل السوبرنوفا (supernova) وسديم السرطان هو بقايا السوبرنوفا الذي حدث عام 1054 لأحد النجوم الكبيرة في مجرتنا.
صورة للسوبرنوفا لأحد النجوم المنفجرة
إذاً فإن معدن الحديد المتوفرة على سطح الأرض هو نتاج انفجار نجم كبير وصلت شظاياه إلى أرضنا على شكل نيازك استقرت على سطح الأرض وبعضها أستقر في مركزه.وصدق الله عندما قال : (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس).
Posted by:
محمد على عابدين
0
التعليقات
انفجار نجم في حافة الكون
فقد استطاع القمر الصناعي "سويفت" التابع لوكالة علوم الفضاء والطيران الأمريكية "ناسا" من رصد الأشعة الناتجة عن الانفجار، بينما قال أحد مديري الوكالة، نيل غيريلز: لم يصدف أن شاهدنا سابقا انفجارا بهذا السطوع ومن هذه المسافة. وأضاف أن مشاهدته بالعين المجردة كانت واضحة بشكل كافٍ، بينما لم يصل "ناسا" أية تقارير عن احتمال ان يكون هواة الفلك ومراقبة المجرات، قد شاهدوا الانفجار الذي دام أقل من ساعة.
وتجدر الإشارة إلى أن مسافة 7.5 بليون سنة ضوئية تفوق بكثير أبعد نجم أمكن مشاهدته بالعين المجردة، والبالغ 2.5 مليون سنة ضوئية، علماً أن السنة الضوئية تبلغ 10 مليون مليون كيلو متر تقريباً.
ومن هذا الخبر العلمي يمكن أن نأخذ النتائج التالية:
1- إن الكون أكبر بكثير مما نتصور، وكلما تصور العلماء أنهم وصلوا إلى حافة الكون يكتشفون نجوماً جديدة تجعلهم يعتقدون أن الكون أكبر، ولذلك قال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [غافر: 57].
2- يقول العلماء إن هذا الانفجار وقع قبل بلايين السنين، ولم يصلنا ضوء الانفجار ولم نعلم به إلا مؤخراً، بل إن العلماء لا يمكنهم أن يعلموا أين يقع هذا النجم الآن! وهذا يؤكد أن المواقع الحقيقية للنجوم لا يعلمها إلا الله تعالى، ولذلك أقسم بها أن القرآن حق، يقول تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة: 75-77].
3- لقد حدثنا الله عن حقيقة انهيار النجوم بل وأقسم بانهيار النجوم أن النبي على حق، ولم يكن أحد يعلم زمن نزول القرآن شيئاً عن انهيار النجوم، يقول تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 1-4].
ولذلك يا أحبتي ينبغي علينا كمؤمنين أن نقرأ أي خبر علمي قراءة إيمانية، ونستفيد من هذه الأخبار في تطوير مداركنا وتوسيع فهمنا للكون، ليس من باب حب المعرفة، بل لأن الله تعالى أمرنا أن ندرس السماء والأرض ونتعمق في أسرار الكون لنزداد إيماناً ويقيناً، لأن الغرب لم يستفد شيئاً من هذه الحقائق ولن تغن عنه من الله شيئاً، لأن علومه قائمة على الإلحاد. ولذلك قال تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101].
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أولي الألباب الذين قال فيهم: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190-191].
Posted by:
محمد على عابدين
0
التعليقات