ما زال موضوع البحث عن حياة فضائية يشغل بال البشرية منذ سنوات طويلة ، وقد جسدت قصص الخيال العلمي ذلك الموضوع وبالغت في وصف حياة الكائنات الفضائية التي ستغزو كوكب الأرض في يوم من الأيام .
هذه الأفكار والتطلعات للبحث عن أي شكل للحياة في الفضاء الخارجي كانت في صميم مهمة التلسكوب الفضائي المتطور داروين والذي يجري بناؤه من قبل مجموعة متميزة من الباحثين والفلكيين الأوروبيين ، علما بان هذا المشروع الرائد قد تم تبنيه من قبل وكالة الفضاء الأوروبية ليكون مشروع البحث الفضائي للعقد القادم .
يقول الباحث غلين وايت أستاذ علم الفلك والمسئول عن مهمة داروين ، إن ما نتطلع إليه ليس أقل من اكتشاف الحياة نفسها في الفضاء الخارجي ، ويوضح وايت أن هذا التلسكوب الفضائي البالغ التطور ، قادر على كشف ورصد نجوما وكواكبا تقع على بعد مئة سنة ضوئية ، وهو مزود بتقنيات علمية تؤهله لن يرصد أي شكل للحياة في تلك الأجرام السماوية البعيدة .
يذكر هنا أن جهود الباحثين والفلكيين أسهمت بشكل كبير في الكشف عن مجموعة كبيرة من الكواكب التي تدور حول نجومها ، ففي مجرة درب التبانة تم رصد ما لا يقل عن 220 كوكبا ، وبينت الدراسات التي أجريت عليها إمكانية أن يضم بعضها شكلا من أشكال الحياة أو أن تتشابه ظروفها المناخية مع الظروف المناخية للأرض ، فالكوكب Gliese 185C مثلا والذي يدور حول نجم مجاور لنا ، هو عبارة عن كوكب صخري ودرجة حرارته معتدلة مما يسمح بوجود الماء السائل على سطحه .
ويوضح وايت أن عملية العثور على كواكب جديدة في الفضاء الخارجي ، أصبح أمرا عاديا ومألوفا ، لكن المهم ليس اكتشاف تلك الكواكب ، المطلوب العثور على كواكب قادرة على احتواء أي شكل من أشكال الحياة ، سواء كانت بدائية أو متطورة .
وقد كان باكورة هذه الاكتشافات ما تم رصده من قبل الفلكيين مايكل مايور و دايدر كويلوز ، حيث رصدا في عام 1995 الكوكب Pegasi 15 والذي عزز من قناعة الباحثين بأننا سكان الأرض لسنا الوحيدين في هذا الفضاء الشاسع ، بل أن الحياة موجودة وبشكل كبير في العديد من الأماكن في هذا الكون الفسيح .
هذه الاكتشافات الفلكية لكواكب جديدة شجعت العلماء على تطوير تقنيات للكشف عن وجود الماء والمواد الكيميائية على تلك الكواكب المكتشفة ، بل وتحليل أغلفتها الجوية لمعرفة هل هي صالحة للحياة أم لا .
إن مهمة التلسكوب داروين والذي سيطلق في عام 2015 والمركبة الفضائية الأمريكية Terrestrial Plant Finder والتي ستطلقها ناسا وهي مخصصة للبحث عن حياة في الفضاء الخارجي ، سيكون لهما اكبر الأثر الكبير في تدشين مشروع دولي لمسح كافة الأجرام السماوية ومعرفة تركيبها وإمكانية أن تضم أي شكل من الحياة عليها ، ويوضح هذا الأمر العالم مارتن ريس بقوله إن الكون يحتوي على الأقل مئة بليون مجرة ، وفي كل منها أكثر من مئة بليون نجم ، وهذا يعني انه يوجد بلايين الكواكب التي تماثل كوكب الأرض ، أي أنها مؤهلة لأن تضم أي شكل من الحياة ، وبالتالي فإنه وخلال السنوات القليلة القادمة لا بد أن يعثر العلماء على حياة في مكان ما أو أكثر في الكون ، إنها مسألة وقت فقط .
* كاتب علمي وعضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

0 التعليقات: